فصل: بَابُ الْإِقْرَارِ بِالِاقْتِضَاءِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ الْإِقْرَارِ بِكَذَا لَا بَلْ كَذَا:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ): وَإِذَا أَقَرَّ، فَقَالَ: عَلَيَّ لِفُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا بَلْ خَمْسُمِائَةٍ فَعَلَيْهِ الْأَلْفُ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: خَمْسُمِائَةٍ لَا بَلْ أَلْفٌ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ لَا بَلْ لِاسْتِدْرَاكِ الْغَلَطِ، وَرُجُوعُهُ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ لَا يَصِحُّ وَاخْتِيَارُهُ بِوُجُوبِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ صَحِيحٌ، فَإِذَا قَالَ: خَمْسُمِائَةٍ لَا بَلْ أَلْفٌ فَقَدْ اسْتَدْرَكَ الْغَلَطَ بِالْتِزَامِ خَمْسِمِائَةٍ أُخْرَى زِيَادَةً عَلَى الْخَمْسِمِائَةِ الْأُولَى فَعَلَيْهِ أَلْفٌ، وَإِذَا قَالَ: أَلْفٌ لَا بَلْ خَمْسُمِائَةٍ فَقَدْ قَصَدَ الِاسْتِدْرَاكَ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْأَلْفِ إلَى الْخَمْسِمِائَةِ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ مِنْهُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِيضٍ لَا بَلْ سُودٍ أَوْ قَالَ: سُودٌ لَا بَلْ بِيضٌ أَوْ قَالَ: جَيِّدٌ لَا بَلْ رَدِيءٌ أَوْ رَدِيءٌ لَا بَلْ جَيِّدٌ فَعَلَيْهِ أَفْضَلُهُمَا؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ وَاحِدٌ وَمِثْلُ هَذَا الْغَلَطِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ يَقَعُ فَاسْتِدْرَاكُهُ بِالْتِزَامِ زِيَادَةِ الْوَصْفِ صَحِيحٌ وَرُجُوعُهُ عَنْ وَصْفِ الْتِزَامِهِ بَاطِلٌ.
وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ لَا بَلْ دِينَارٌ فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَدِينَارٌ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ وَالْغَلَطُ لَا يَقَعُ فِي الْجِنْسِ الْمُخْتَلِفِ عَادَةً فَرُجُوعُهُ عَنْ الْأَوَّلِ بَاطِلٌ وَالْتِزَامُهُ الثَّانِيَ صَحِيحٌ وَمَا ذَكَرَهُ ثَانِيًا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْكَلَامُ الْأَوَّلُ أَصْلًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ ثَانِيًا قَدْ تَنَاوَلَهُ الْكَلَامُ الْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِ أَصْلِهِ إنْ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ بِصِفَتِهِ عَرَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ هُنَاكَ إلْحَاقُ الْوَصْفِ بِالْأَصْلِ وَهُنَا الْمُرَادُ الْتِزَامُ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ لَا بَلْ شَعِيرٍ فَعَلَيْهِ الْكُرَّانِ جَمِيعًا، وَإِنْ قَالَ: قَفِيزُ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ لَا بَلْ رَدِيءٌ أَوْ رَدِيءٌ لَا بَلْ جَيِّدٌ فَهُوَ قَفِيزٌ جَيِّدٌ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: مَحْتُومٌ مِنْ دَقَلٍ لَا بَلْ فَارِسِيٍّ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: مَحْتُومُ دَقِيقٍ رَدِيءٍ لَا بَلْ حَوَارِيٍّ فَهُوَ حَوَارِيٌّ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ وَاحِدٌ، وَذَكَرَ الْكَلَامَ الثَّانِيَ لِاسْتِدْرَاكِ الْغَلَطِ بِالْتِزَامِ زِيَادَةِ وَصْفٍ.
وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ رَطْلٌ مِنْ بَنَفْسَجٍ لَا بَلْ حَبْرِيٍّ لَزِمَاهُ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ رَطْلٌ مِنْ سَمْنِ الْغَنَمِ لَا بَلْ مِنْ سَمْنِ الْبَقَرِ فَعَلَيْهِ الرَّطْلَانِ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ.
وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا بَلْ لِفُلَانٍ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ مُخْتَلِفٌ، وَهُوَ نَظِيرُ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ فِي الْمُقَرِّ بِهِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ الْإِقْرَارِ لِلْأَوَّلِ وَإِقَامَةُ الثَّانِي مَقَامَهُ فِي الْإِقْرَارِ لَهُ.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الثَّانِي مُكَاتَبًا لِلْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ أَوْ عَبْدًا تَاجِرًا لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مِنْ كَسْبِ مُكَاتَبِهِ وَعَبْدِهِ الْمَدْيُونِ بِمَنْزِلَةِ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَتَحَقَّقَ إقْرَارُهُ بِشَخْصَيْنِ صُورَةً وَمَعْنًى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَفِي الْقِيَاسِ كَذَلِكَ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي الذِّمَّةِ مُجَرَّدُ مُطَالَبَةٍ فِي الْحَالِ، وَفِيمَا لِلْعَبْدِ هُوَ الْمُطَالَبُ دُونَ الْمَوْلَى فَكَانَ إقْرَارُهُ بِشَخْصَيْنِ فَيَكُونُ رُجُوعًا فِي حَقِّ الْأَوَّلِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَلْفٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مَمْلُوكٌ لِمَوْلَاهُ فَفِي قَوْلِهِ لَا بَلْ لِعَبْدِهِ لَا يَكُونُ رُجُوعًا عَمَّا أَقَرَّ بِهِ لِلْمَوْلَى، وَلَكِنَّهُ يَلْحَقُهُ زِيَادَةُ كَلَامِهِ فِي أَنَّ لِعَبْدِهِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِذَلِكَ الْمَالِ فَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَالٌ وَاحِدٌ.
وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ جَارِيَةٍ بَاعَنِيهَا لَا بَلْ فُلَانٌ بَاعَنِيهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ أَنَّ مُبَايَعَةَ الثَّانِي مَعَهُ كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْمُكَاتَبَةِ لِلنِّيَابَةِ عَنْ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ هُوَ رَاجِعًا عَنْ الْإِقْرَارِ لِلْأَوَّلِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ لِإِقْرَارِهِ بِتَقَرُّرِ بَيِّنَتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يُقِرَّ الثَّانِي أَنَّهَا لِلْأَوَّلِ فَحِينَئِذٍ عَلَيْهِ فِي الْقِيَاسِ أَلْفَانِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ عَلَيْهِ أَلْفٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ رَاجِعٍ عَنْ الْإِقْرَارِ لِلْأَوَّلِ بَلْ هُوَ مُلْحَقٌ بِهِ وَثُبُوتُ حَقِّ الْمُطَالَبَةِ لِلثَّانِي، وَهَذَا وَفَصْلُ الْمَأْذُونِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ.
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِيضٍ وَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ سُودٍ فَأَقَرَّ الطَّالِبُ أَنَّهُ اقْتَضَى مِنْهُ دِرْهَمًا أَبْيَضَ لَا بَلْ أَسْوَدَ وَادَّعَى الْمَطْلُوبُ أَنَّهُ قَدْ قَضَاهُ دِرْهَمَيْنِ وَأَبَى أَلْزَمَ الطَّالِبَ الدِّرْهَمَ الْأَبْيَضَ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالِاسْتِيفَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ فَإِنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا، وَقَدْ بَيَّنَّا مِثْلَهُ فِي الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَفْضَلُهُمَا فَهَذَا مِثْلُهُ.
وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ فِي صَكٍّ وَمِائَةٌ فِي صَكٍّ آخَرَ، فَقَالَ: قَبَضْتُ مِنْكَ عَشَرَةً مِنْ هَذَا الصَّكِّ لَا بَلْ مِنْ هَذَا وَهِيَ عَشَرَةٌ وَاحِدَةٌ فَعَلَى قِيَاسِ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ يَجْعَلُهَا مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ الَّذِي قَضَاهُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي مَلَّكَهُ فَالِاخْتِيَارُ فِي بَيَانِ جِهَتِهِ إلَيْهِ وَتَتَبَيَّنُ فَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا كَفِيلٌ.
وَلَوْ كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ، فَقَالَ: قَبَضْتُ مِنْكَ دِينَارًا لَا بَلْ دِرْهَمًا لَزِمَاهُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ كَمَا فِي الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ.
وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلَيْنِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةُ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: قَبَضْتُ مِنْ هَذَا عَشَرَةً لَا بَلْ مِنْ هَذَا لَزِمَهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَشَرَةٌ لِاخْتِلَافِ الْمُقَرِّ لَهُ وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ.
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ كَفِيلًا بِذَلِكَ عَنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ مِنْ كُلِّ كَفِيلٍ يُثْبِتُ حَقَّ الرُّجُوعِ لِذَلِكَ الْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّ الْمُقَرُّ لَهُ مُخْتَلِفٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ وَاحِدًا.
وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: دَفَعْتَ إلَيَّ مِنْهَا مِائَةً بِيَدِكَ لَا بَلْ أَرْسَلْتَ بِهَا لِي مَعَ غُلَامِكَ فَهِيَ مِائَةٌ وَاحِدَةٌ.
وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ، فَقَالَ الْمَطْلُوبُ وَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَرْسَلْتُ بِهَا إلَيْكَ مَعَ فُلَانٍ وَثَوْبٌ بِعْتُكَهُ بِعَشَرَةٍ، فَقَالَ الطَّالِبُ: قَدْ صَدَقْتُ فَقَدْ دَخَلَ هَذَا فِي هَذِهِ الْمِائَةِ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ بَيَانَهُ هَذَا تَقْرِيرٌ لِمَا أَقَرَّ بِهِ أَوَّلًا فَإِنَّهُ قَابِضٌ مِنْهُ مَا أَوْصَلَهُ إلَيْهِ رَسُولُهُ وَقَابِضٌ بِشِرَاءِ الثَّوْبِ أَيْضًا حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَقْبِضَ حَقَّهُ فَقَبَضَ بِهَذَا الطَّرِيق بَرَّ فِي يَمِينِهِ وَالْبَيَانُ الْمُقَرَّرُ لِأَوَّلِ الْكَلَامِ مَقْبُولٌ مِنْ الْمُبِينِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، فَقَالَ الْمَطْلُوبُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَرْسَلْت بِهَا إلَيْكَ بِغَيْرِ وَاوٍ، وَهَذَا أَوْضَحُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّفْسِيرِ لِلْجِهَةِ فِيمَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَهُ.
وَلَوْ كَانَ بِهِ كَفِيلٌ، فَقَالَ: قَدْ قَبَضْتُ مِنْكَ مِائَةً لَا بَلْ مِنْ كَفِيلِكَ لَزِمَهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةٌ؛ لِأَنَّ مَا يَقْبِضُهُ مِنْ الْكَفِيلِ يَثْبُتُ بِهِ حَقُّ الرُّجُوعِ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ بِخِلَافِ مَا يَقْبِضُهُ مِنْ الْأَصِيلِ فَكَانَ الْمُقَرُّ لَهُ مُخْتَلِفًا فَلِهَذَا كَانَ مُقِرًّا بِالْمَالَيْنِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَحْلِفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ يَمِينٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ بِذَلِكَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا يَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ لِلْمُقِرِّ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.بَابُ الْإِقْرَارِ بِمَالٍ دَفَعَهُ إلَيْهِ آخَرُ:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ): وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ دَفَعَ إلَيَّ هَذِهِ الْأَلْفَ فُلَانٌ فَهِيَ لِفُلَانٍ فَلَوْ ادَّعَى الْأَلْفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهِيَ لِلدَّافِعِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ لَهُ بِالْمَالِ أَوَّلًا حِينَ الْإِقْرَارِ بِوُصُولِهِ إلَى يَدِهِ مِنْ جِهَتِهِ ثُمَّ إقْرَارُهُ لِلثَّانِي حَصَلَ بِمَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ لِغَيْرِهِ بِيَدِهِ فَلَا يَكُونُ مُلْزِمًا إيَّاهُ شَيْئًا وَالْمَالُ لِلدَّافِعِ، فَإِذَا رَدَّهُ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ بَرِئَ مَالِكًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَالِكٍ فَإِنَّ الْمُودَعَ مِنْ الْغَاصِبِ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ يَبْرَأُ كَالْمُودَعِ مِنْ الْمَالِكِ.
وَإِذَا قَالَ: هَذِهِ الْأَلْفُ لِفُلَانٍ دَفَعَهَا إلَيَّ فُلَانٌ فَهِيَ لِلْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْمِلْكِ لِلْأَوَّلِ فَإِقْرَارُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْيَدِ لِلثَّانِي لَا يَكُونُ صَحِيحًا فِي حَقِّ الْأَوَّلِ، فَإِنْ ادَّعَاهَا الدَّافِعُ فَعَلَيْهِ أَوَّلًا أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهَا مَا هِيَ لِفُلَانٍ، لِأَنَّ الْمُقِرَّ يَقُولُ أَنَا.
وَإِنْ أَقْرَرْتَ بِأَنَّكَ دَفَعْتَهَا إلَيَّ، وَلَكِنَّ الْمِلْكَ كَانَ لِفُلَانٍ، وَقَدْ رَدَدْتَهَا عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَكَ عَلَيَّ شَيْءٌ فَلِهَذَا يَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى الثَّانِي، فَإِنْ حَلَفَ أَنَّهَا مَا هِيَ لِفُلَانٍ ضَمِنَ الْمُقَرُّ لَهُ أَلْفًا أُخْرَى الْوَدِيعَةُ وَالْعَارِيَّةُ فِيهِ سَوَاءٌ أَمَّا إذَا كَانَ دَفَعَهَا إلَى الْأَوَّلِ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَهُوَ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا إقْرَارُ الْمُقِرِّ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ الْمَالَ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الثَّانِي، فَإِذَا دَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ بِاخْتِيَارِهِ كَانَ ضَامِنًا لَهُ بِمِثْلِهَا، وَإِنْ كَانَ دَفَعَهَا بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّهُ بِتَبَيُّنِ الْإِقْرَارِ لِلْأَوَّلِ مَا أَتْلَفَ عَلَى الثَّانِي شَيْئًا وَلَا اخْتِيَارَ لَهُ فِي الدَّفْعِ بَلْ الْقَاضِي أَلْزَمَهُ ذَلِكَ فَلَا يَضْمَنُ لِلثَّانِي شَيْئًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ ضَامِنٌ لِلثَّانِي أَلْفًا؛ لِأَنَّهُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ لِلْأَوَّلِ سَلَّطَ الْقَاضِيَ عَلَى هَذَا الْقَضَاءِ، وَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ مُودَعٌ فِيهَا مِنْ الثَّانِي وَالْمُودَعُ بِهَذَا التَّسْلِيطِ يَصِيرُ ضَامِنًا كَمَا لَوْ دَلَّ سَارِقًا عَلَى سَرِقَةِ الْوَدِيعَةِ.
وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ الْأَلْفُ لِفُلَانٍ أَقْرَضَنِيهَا فُلَانٌ آخَرُ فَادَّعَيَاهَا فَهِيَ لِلَّذِي أَقَرَّ لَهُ بِهَا أَوَّلًا لِتَقَدُّمِ الْإِقْرَارِ لَهُ بِهَا وَلِلْمُقْرِضِ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ أَلْفًا مِنْ الثَّانِي بِحُجَّةِ الْقَرْضِ وَالْقَبْضُ بِحُجَّةِ الْقَرْضِ يُوجِبُ ضَمَانَ الْمَقْبُوضِ عَلَى الْقَابِضِ.
وَإِذَا كَانَ فِي يَدِهِ عَبْدٌ، فَقَالَ: هُوَ لِفُلَانٍ بَاعَنِيهِ فُلَانٌ آخَرُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ فَالْعَبْدُ لِلْمُقَرِّ لَهُ أَوَّلًا يَدْفَعُهُ إلَيْهِ إذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لِلْآخَرِ فِي بَيْعِهِ لِتَقَدُّمِ الْإِقْرَارِ بِالْعَيْنِ لَهُ وَيَقْضِي بِالْيَمِينِ لِلْبَائِعِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِشِرَائِهِ مِنْ الثَّانِي وَيَثْبُتُ هَذَا السَّبَبُ بِإِقْرَارِهِ فِي حَقِّهِ، وَهُوَ تَامٌّ يَقْبِضُهُ فَيَقْضِي لَهُ عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ قَالَ: وَلَا يُشْبِهُ الْبَيْعُ وَالْقَرْضُ الْوَدِيعَةَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ: وَلَا يُشْبِهُ الْقَرْضُ وَالْبَيْعُ الْوَدِيعَةُ مَا سِوَاهَا، وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ عَلَى ظَاهِرِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ أَجَابَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِجَوَابٍ وَاحِدٍ وَأَشَارَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ الْبَابِ حَيْثُ قَالَ: يَدْفَعُ الْمَالَ إلَى الدَّافِعِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلثَّانِي، فَأَمَّا اللَّفْظُ الْأَوَّلُ فَهُوَ مُسْتَقِيمٌ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْوَدِيعَةِ قَالَ: إذَا دَفَعَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَمْ يَغْرَمْ لِلثَّانِي، وَفِي الْقَرْضِ وَالْبَيْعِ إنْ دَفَعَهُ إلَى الْأَوَّلِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَهُوَ ضَامِنٌ لِلثَّانِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بَيَانَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَرْضِ الْوَدِيعَةِ فِي أَنَّ الْوَدِيعَةَ لَا تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ لِلثَّانِي مَا لَمْ يَدْفَعْ إلَى الْأَوَّلِ، وَفِي الْقَرْضِ وَالْبَيْعِ الْمَالُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لِلثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ إلَى الْأَوَّلِ شَيْئًا، وَهَذَا فَرْقٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْإِقْرَاضَ وَالْمُبَايَعَةَ سَبَبَا ضَمَانٍ بِخِلَافِ الْإِيدَاعِ.
وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ لِفُلَانٍ غَصَبَهُ فُلَانٌ الْمُقَرُّ لَهُ مِنْ فُلَانٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِهِ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَلَا يَقْضِي لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِالْمِلْكِ لِلْأَوَّلِ شَاهِدٌ عَلَيْهِ بِالْغَصْبِ لِلثَّانِي وَشَهَادَتُهُ عَلَيْهِ بِالْغَصْبِ لَا تَكُونُ مَقْبُولَةً، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فِي لَفْظِ السُّؤَالِ لِفُلَانٍ غَصْبُهُ مِنْ فُلَانٍ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْمُقَرِّ لَهُ فَيَكُونُ الْمَفْهُومُ مِنْهُ إقْرَارَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْغَصْبِ لِلثَّانِي وَجَوَابُهُ أَنَّ الْعَبْدَ لِلْأَوَّلِ وَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ قَالَ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ قَالَ: هَذَا الصَّبِيُّ ابْنُ فُلَانٍ غَصَبْتُهُ مِنْ فُلَانٍ آخَرَ وَادَّعَى الصَّبِيُّ أَنَّهُ ابْنُهُ وَادَّعَى الْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَنَّهُ عَبْدُهُ قَضَى بِهِ لِلْأَبِ، وَهُوَ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْهُ لِتَقَدُّمِ الْإِقْرَارِ لَهُ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ قَالَ: هَذَا الصَّبِيُّ ابْنُ فُلَانٍ أَرْسَلَ بِهِ إلَيَّ مَعَ فُلَانٍ كَانَ الِابْنُ لِلْأَوَّلِ إذَا ادَّعَاهُ دُونَ الرَّسُولِ لِتَقَدُّمِ الْإِقْرَارِ لَهُ، وَفِي جَمِيعِ هَذَا إنْ ادَّعَى الرَّسُولُ ذَلِكَ كَانَ لَهُ عَلَى الْمُقِرِّ مِثْلُهُ لِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ وَصَلَ إلَى يَدِهِ مِنْ جِهَتِهِ وَتَعَذُّرِ الرَّدِّ عَلَيْهِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ لِلْأَوَّلِ وَدَفَعَ إلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ مَا خَلَا الِابْنَ، فَإِنْ كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَأَقَرَّ أَنَّهُ ابْنُ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ الْمُقِرُّ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُقِرِّ لِلدَّافِعِ؛ لِأَنَّ مَنْ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ بِمَا هُوَ فِي يَدِ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ لِلْغَيْرِ يَدٌ مُوجِبَةٌ لِلِاسْتِحْقَاقِ إذَا لَمْ يُقِرَّ بِالرِّقِّ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَتَكَلَّمُ فَعَلَى الْمُقِرِّ قِيمَتُهُ لِلرَّسُولِ إذَا ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ وَأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي لَمْ يَتَكَلَّمْ لِصِغَرِهِ يَثْبُتُ عَلَيْهِ يَدٌ مُوجِبَةٌ لِلِاسْتِحْقَاقِ بِمَنْزِلَةِ الْبَنَاتِ وَغَيْرِهَا.
وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ الْأَلْفُ لِفُلَانٍ أَرْسَلَ بِهَا إلَيَّ مَعَ فُلَانٍ وَدِيعَةً وَادَّعَاهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهِيَ لِلْأَوَّلِ لِتَقَدُّمِ الْإِقْرَارِ لَهُ بِهَا، فَإِنْ قَالَ: الْأَوَّلُ لَيْسَتْ لِي، وَلَمْ أُرْسِلْ بِهَا فَهِيَ لِلرَّسُولِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ بِالْكَلَامِ الثَّانِي أَنَّ وُصُولَهَا إلَى يَدِهِ كَانَ مِنْ يَدِ الرَّسُولِ وَإِنَّمَا أُمِرَ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ لِثُبُوتِ الِاسْتِحْقَاقِ فِيهَا لِلْأَوَّلِ، وَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ بِتَكْذِيبِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ غَائِبًا لَمْ يَكُنْ لِلرَّسُولِ أَنْ يَأْخُذَهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَدَّعِيهَا لِنَفْسِهِ فَقَدْ صَارَ مُكَذَّبًا فِيمَا إذَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ، وَهُوَ كَوْنُهُ رَسُولًا بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَحَقُّ الْغَائِبِ فِيهَا ثَابِتٌ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُلْزِمٌ بِنَفْسِهِ مَا لَمْ يُكَذِّبْ الْمُقَرُّ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الرَّسُولُ مُصَدِّقًا لَهُ فِيمَا أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ رَسُولًا فِيهِ مِنْ جِهَةِ فُلَانٍ فَقَدْ انْتَهَتْ الرِّسَالَةُ بِإِيصَالِ الْمَالِ إلَيْهِ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الِاسْتِرْدَادِ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَإِذَا أَقَرَّ الْخَيَّاطُ أَنَّ الثَّوْبَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ لِفُلَانٍ أَسْلَمَهُ إلَيْهِ فُلَانٌ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِيهِ فَهُوَ لِلَّذِي أَقَرَّ لَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ لِتَقَدُّمِ الْإِقْرَارِ لَهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا هُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ فِي حَقِّ الثَّانِي فَإِنَّ إسْلَامَهُ إلَيْهِ لَا يَكُونُ سَبَبًا فِي اسْتِحْقَاقِهِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الرِّسَالَةِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الصُّنَّاعِ.
وَلَوْ كَانَ إقْرَارُهُ بِهَذَا الثَّوْبِ أَسْلَمَهُ إلَيْهِ فُلَانٌ لِيَقْطَعَهُ قَمِيصًا، وَهُوَ لِفُلَانٍ وَادَّعَيَاهُ فَهُوَ لِلَّذِي أَسْلَمَهُ إلَيْهِ لِتَقَدُّمِ الْإِقْرَارِ لَهُ بِهِ، وَلَيْسَ لِلثَّانِي شَيْءٌ، وَهَذَا نَظِيرُ مَسْأَلَةٍ أَوَّلَ الْبَابِ، وَهُوَ مَا إذَا قَالَ: دَفَعَهُ إلَيَّ فُلَانٌ، وَهُوَ لِفُلَانٍ.
وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا الثَّوْبَ اسْتِعَارَةٌ مِنْ فُلَانٍ فَبَعَثَ بِهِ إلَيْهِ مَعَ فُلَانٍ فَهُوَ لِلَّذِي أَعَارَهُ إيَّاهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُقِرًّا بِالْمِلْكِ وَالْيَدِ لِلْمُعِيرِ الَّذِي اسْتَعَارَهُ مِنْهُ دُونَ الَّذِي أَوْصَلَهُ إلَيْهِ بِطَرِيقِ الرِّسَالَةِ.
وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا أَتَاهُ بِهَذَا الثَّوْبِ عَارِيَّةً مِنْ قِبَلِ فُلَانٍ فَادَّعَاهُ فَهُوَ لِلرَّسُولِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَوَّلًا بِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى يَدِهِ مِنْ جِهَتِهِ، وَذَلِكَ يُلْزِمُهُ الرَّدَّ عَلَيْهِ فَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ عَنْهُ بِإِقْرَارِهِ لِغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

.بَابُ الْإِقْرَارِ بِالِاقْتِضَاءِ:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ): وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ اقْتَضَى مِنْ رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ وَقَبَضَهَا، فَقَالَ فُلَانٌ: أَخَذْتَ مِنِّي هَذَا الْمَالَ، وَلَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ شَيْءٌ فَرُدَّهُ عَلَيَّ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَرُدَّ الْمَالَ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ.
وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْمُقِرِّ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ عَلَى نَفْسِهِ لِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِوُصُولِ حَقِّهِ إلَيْهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُلْزِمٍ إيَّاهُ شَيْئًا وَكُنَّا نَقُولُ الِاقْتِضَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ قَبْضِ مَالٍ مَضْمُونٍ مِنْ مِلْكِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ يَسْتَوْفِي مِنْ مَالِ الْمَدْيُونِ مِثْلَ مَالِهِ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ وَالْقَبْضُ الْمَضْمُونُ مِنْ مِلْكِ الْغَيْرِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَقَرَّ بِهِ، ثُمَّ ادَّعَى لِنَفْسِهِ دَيْنًا عَلَى صَاحِبِهِ وَلَا يَثْبُتُ الدَّيْنُ لَهُ عَلَى صَاحِبِهِ بِدَعْوَاهُ، وَلَكِنْ يَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ، فَإِذَا جَانَبَ لَزِمَهُ رَدُّ الْمَقْبُوضِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَتْ وَدِيعَةً لَهُ عِنْدَهُ أَوْ هِبَةً وَهَبَهَا لَهُ، فَقَالَ: بَلْ هِيَ مَالِي قَبَضْتَهُ مِنِّي فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ لِإِقْرَارِهِ بِقَبْضِ الْمَالِ مِنْ يَدِ الْغَيْرِ، وَعَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ، وَلَمْ يَثْبُتْ مَا ادَّعَى مِنْ الْحَقِّ فِيهِ لِنَفْسِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ.
وَلَوْ قَالَ: أَسْكَنْتُ بَيْتِي فُلَانًا هَذَا، ثُمَّ أَخْرَجْتُهُ مِنْهُ وَدَفَعَهُ إلَيَّ وَادَّعَى السَّاكِنُ أَنَّهُ لَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْبَيْتِ اسْتِحْسَانًا، وَعَلَى السَّاكِنِ الْبَيِّنَةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْقَوْلُ قَوْلُ السَّاكِنِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ وَوَجْهُهُ هُوَ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِوُصُولِ الْبَيْتِ إلَى يَدِهِ كَانَ مِنْ جِهَةِ السَّاكِنِ وَادَّعَى لِنَفْسِهِ فِيهِ مِلْكًا قَدِيمًا، وَلَمْ يَثْبُتْ مَا ادَّعَاهُ فَعَلَيْهِ رَدُّ مَا أَقَرَّ بِقَبْضِهِ كَمَا فِي الْفَصْلِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَا أَقَرَّ لِلسَّاكِنِ بِيَدٍ أَصْلِيَّةٍ فِي الْبَيْتِ إنَّمَا أَخْبَرَ بِأَنَّ يَدَهُ كَانَتْ بِنَاءً عَنْ يَدِهِ؛ لِأَنَّ يَدَ السَّاكِنِ تُبْنَى عَلَى الْمَسْكَنِ وَالْحُكْمُ لِلْيَدِ الْأَصْلِيَّةِ لَا لِمَا هُوَ بِنَاءٌ فَلَمْ يَصِرْ مُقِرًّا بِمَا يُوجِبُ الِاسْتِحْقَاقَ لَهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الِاقْتِضَاءِ؛ لِأَنَّهُ هُنَا أَقَرَّ بِيَدٍ أَصْلِيَّةٍ كَانَتْ لَهُ فِيمَا اسْتَوْفَاهُ مِنْهُ وَبِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّهُ هُنَاكَ أَقَرَّ بِفِعْلِ نَفْسِهِ، وَهُوَ قَبْضُهُ الْمَالَ مِنْ فُلَانٍ، وَذَلِكَ إقْرَارٌ بِيَدٍ أَصْلِيَّةٍ كَانَتْ لِفُلَانٍ فِي هَذَا الْمَالِ فَبَعْدَ ذَلِكَ هُوَ فِي قَوْلِهِ كَانَتْ لِي عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ يَدَهُ بِنَاءً بَعْدَ مَا أَقَرَّ أَنَّهَا كَانَتْ أَصْلِيَّةً فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْإِعَارَةَ بَيْنَ النَّاسِ مَعْرُوفَةٌ، وَفِي الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ هُنَا قَطْعُ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ عَنْ النَّاسِ لِأَنَّ الْمُعِيرَ يُتَحَرَّزُ عَنْ الْإِعَارَةِ لِلسُّكْنَى إذَا عَرَفَ أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِقَوْلِهِ عِنْدَ الِاسْتِرْدَادِ فَتُرِكَ الْقِيَاسُ فِيهِ لِتَوْفِيرِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى النَّاسِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّابَّةُ أَعَرْتهَا فُلَانًا، ثُمَّ قَبَضْتهَا مِنْهُ أَوْ هَذَا الثَّوْبُ لِي أَعَرْتُهُ فُلَانًا، ثُمَّ قَبَضْتُهُ مِنْهُ.
وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّ فُلَانًا الْخَيَّاطَ خَاطَ قَمِيصَهُ هَذَا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَ مِنْهُ الْقَمِيصَ، وَقَالَ الْخَيَّاطُ هُوَ قَمِيصِي أَعَرْتُكَهُ فَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الْأُولَى.
وَكَذَلِكَ الثَّوْبُ أُسْلِمَ إلَى الصَّبَّاغِ.
وَإِنْ قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ خَاطَ لِي الْخَيَّاطُ قَمِيصِي هَذَا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ، وَلَمْ يَقُلْ قَبَضْتُهُ مِنْهُ فَفِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْخَيَّاطِ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَظَاهِرٌ.
وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِيَدِ الْخَيَّاطِ هُنَا فِي الثَّوْبِ لِأَنَّهُ قَدْ يَخِيطُ الثَّوْبَ، وَهُوَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ بِأَنْ كَانَ أَجِيرًا وُجِدَ فِي بَيْتِهِ يَعْمَلُ لَهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ هُنَاكَ قَدْ أَقَرَّ بِالْقَبْضِ مِنْهُ، وَذَلِكَ إقْرَارٌ بِكَوْنِهِ فِي يَدِهِ.
وَلَوْ كَانَ الثَّوْبُ مَعْرُوفًا أَنَّهُ لِلْمُقِرِّ أَوْ الدَّابَّةُ أَوْ الدَّارُ، فَقَالَ: أَعَرْتُهُ فُلَانًا وَقَبَضْتُهُ مِنْهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ مَعْرُوفٌ لِلْمُقِرِّ فَلَا يَكُونُ مُجَرَّدَ الْيَدِ فِيهِ لِغَيْرِهِ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ إذَا أَقَرَّ الْخَيَّاطُ أَنَّ الثَّوْبَ الَّذِي فِي يَدِهِ لِفُلَانٍ أَسْلَمَهُ إلَيْهِ فُلَانٌ لِيَخِيطَهُ فَهُوَ لِلَّذِي أَقَرَّ لَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلَا يَضْمَنُ لِلثَّانِي مِثْلَهُ، وَهَذَا دَلِيلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْخِلَافِيَّاتِ لِإِقْرَارِهِ أَنَّ يَدَ الَّذِي أَسْلَمَهُ إلَيْهِ بِنَاءً لَا ابْتِدَاءً، وَلَكِنَّ مَشَايِخَنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ قَالُوا هُوَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ الْإِسْكَانِ أَوْ مَسْأَلَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ أَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مُؤْتَمَنٌ فَلَا يَصِيرُ ضَامِنًا بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ لِلْأَوَّلِ وَعِنْدَهُمَا الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ ضَامِنٌ فَيَضْمَنُ الثَّوْبَ الَّذِي أَسْلَمَهُ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَذَكَرَ أَيْضًا فِيمَا إذَا قَالَ: هَذَا الْمَالُ لِفُلَانٍ أَرْسَلَ بِهِ إلَيَّ مَعَ فُلَانٍ وَدِيعَةً أَنَّ الْمَالَ لِلْأَوَّلِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُقِرِّ لِلرَّسُولِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ لَهُ بِيَدٍ هِيَ بِنَاءٌ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَهُ بِخِلَافِ الدَّيْنِ، وَهُوَ مَا إذَا قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَرْسَلَ بِهَا إلَيَّ مَعَ فُلَانٍ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الدَّيْنِ الذِّمَّةُ وَفِي الذِّمَّةِ سَعَةٌ فَيَكُونُ مُقِرًّا بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ لِلثَّانِي لِمَا أَقَرَّ أَنَّ وُصُولَهُ إلَى يَدِهِ مِنْ جِهَتِهِ، وَفِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَوْرَدَ الْمَسْأَلَةَ فِي مَوْضِعَيْنِ، قَالَ فِي أَحَدِهِمَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلدَّافِعِ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَفِي الثَّانِي قَالَ:
عَلَيْهِ مِثْلُهُ لِلدَّافِعِ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا بَعْضَهُ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ.
وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّ فُلَانًا سَكَنَ هَذَا الْبَيْتَ فَادَّعَى فُلَانٌ الْبَيْتَ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِهِ لِلسَّاكِنِ عَلَى الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى تُثْبِتُ الْيَدَ لِلسَّاكِنِ عَلَى الْمَسْكَنِ وَإِقْرَارُهُ بِالْيَدِ لِلْغَيْرِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَمَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ كَالْمُعَايَنِ فِي حَقِّهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا زَرَعَ هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ بَنَى هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ بَنَى هَذِهِ الدَّارَ أَوْ غَرَسَ هَذَا الْكَرْمَ أَوْ الْبُسْتَانَ، وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي يَدِ الْمُقِرِّ، فَقَالَ: كُلُّهُ لِي وَاسْتَعَنْتُ بِكَ فَفَعَلْتَ ذَلِكَ أَوْ فَعَلْتَهُ بِأَجْرٍ، وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ هُوَ مِلْكِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّ يَدَهُ لِلْحَالِ ظَاهِرَةٌ، وَلَمْ يُقِرَّ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِ غَيْرِهِ مِنْ قَبْلُ لِأَنَّ فِعْلَ الزِّرَاعَةِ وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ لَا يُوجِبُ الْيَدَ لِلْفَاعِلِ فِي الْمَفْعُولِ، وَقَدْ يَفْعَلُهُ الْمُعِينُ وَالْأَجِيرُ وَالْمُعِينُ فِي يَدِ صَاحِبِهِ فَهَذَا وَقَوْلُهُ خَاطَ لِي الْقَمِيصَ سَوَاءٌ، ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ الَّذِي بَيَّنَّا فِيمَا إذَا قَالَ لِمُعْتَقِهِ أَخَذْتُ مِنْكَ مَالًا قَبْلَ الْعِتْقِ أَوْ قَطَعْتُ يَدَكَ قَبْلَ الْعِتْقِ وَإِنَّمَا أَعَادَهَا لِفُرُوعٍ، فَقَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ، ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ قَطَعَ يَدَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبُ لَهُ بَلْ فَعَلْتُهُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ وَالتَّسْلِيمَ يَثْبُتُ الْحَقُّ فِيهِ لِلْمُتَمَلِّكِ كَمَا أَنَّ الْعِتْقَ يُثْبِتُ الْحَقَّ لِلْمُعْتَقِ فِي نَفْسِهِ وَأَطْرَافِهِ فَيَكُونُ الْخِلَافُ فِي الْفَصْلَيْنِ وَاحِدًا.
وَلَوْ قَالَ: قَطَعْتُ يَدَهُ، ثُمَّ بِعْتُهُ أَوْ وَهَبْتُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ بِالْفِعْلِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهُ أَقَرَّ بِالْقَطْعِ قَبْلَ ظُهُورِ بَيْعِهِ لِأَنَّ ظُهُورَ الْبَيْعِ بِإِقْرَارِهِ، وَقَدْ أَقَرَّ بِالْقَطْعِ سَابِقًا عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْبَيْعِ فَلِهَذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى هِبَتِهِ أَوْ بَيْعِهِ قَبْلَ إقْرَارِهِ بِهَذَا فَيَكُونُ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ.
وَلَوْ أَعْتَقَ أَمَةً، ثُمَّ قَالَ: أَخَذْتُ مِنْكِ هَذَا الْوَلَدَ قَبْلَ الْعِتْقِ، وَقَالَتْ بَلْ أَخَذْتَهُ مِنِّي بَعْدَ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَيْهَا، وَهُوَ حُرٌّ لِأَنَّ الْوَلَدَ قَائِمٌ بِعَيْنِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْمَالِ الْقَائِمِ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ يُصَدَّقُ وَعَلَيْهِ رَدُّهُ فِي أَنَّهُ أَخَذَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ عَلَيْهَا وَالْقَوْلُ فِي حُرِّيَّتِهِ قَوْلُهَا وَلَوْ لَمْ يَقُلْ أَخَذْتُهُ مِنْكِ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: أَعْتَقْتُكِ بَعْدَ مَا وَلَدْتِيهِ، وَقَالَتْ بَلْ أَعْتَقْتَنِي قَبْلَ أَنْ أَلِدَهُ، فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ فِي يَدِ الْمَوْلَى فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِيَدٍ فِيهِ لَهَا مِنْ قَبْلِ وِلَادَتِهَا، وَلِأَنَّهَا تَدَّعِي سَبْقَ تَارِيخٍ فِي الْعِتْقِ حِينَ ادَّعَتْ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْوِلَادَةِ وَالْمَوْلَى يُنْكِرُ ذَلِكَ، وَالْعِتْقُ فِعْلٌ حَادِثٌ مِنْ الْمَوْلَى فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي إنْكَارِهِ سَبْقَ التَّارِيخِ فِيهِ، وَلِأَنَّ عِتْقَهَا ظَهَرَ فِي الْحَالِ وَالْوَلَدُ مُنْفَصِلٌ عَنْهَا وَعِتْقُهَا غَيْرُ مُوجِبٍ الْعِتْقَ لِلْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ فِي يَدِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ يَدَهَا تُوجِبُ الِاسْتِحْقَاقَ لَهَا فِي الْحَالِ، وَقَدْ أَقَرَّتْ بِالْحُرِّيَّةِ لِلْوَلَدِ فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِحُرِّيَّتِهِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدًا فَأَقَرَّ رَجُلٌ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ أَلْفًا، وَهُوَ عَبْدٌ، وَقَالَ الْعَبْدُ أَخَذْتَهَا مِنِّي بَعْدَ الْعِتْقِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْقَابِضَ يَدَّعِي سَبْقَ تَارِيخٍ فِي قَبْضِهِ وَالتَّارِيخُ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ، وَلِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالسَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ لِلْعَبْدِ، وَهُوَ أَخْذُهُ مِنْهُ وَشَهِدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَالَ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمَوْلَى فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَيَبْقَى الْمَالُ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ لِلْعَبْدِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَاتَبَهُ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ الْكَسْبِ لِلْمُكَاتَبِ وَاعْتِبَارِ يَدِهِ فِيهِ لِحَقِّهِ كَالْعِتْقِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ، ثُمَّ أَقَرَّ رَجُلٌ أَنَّهُ غَصَبَ مِنْهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ، وَهُوَ عِنْدَ مَوْلَاهُ الْأَوَّلِ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ غَصَبْتَهُ، وَهُوَ عِنْدِي فَالْمَالُ لِلْآخَرِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِكَسْبِهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ كَمَا أَنَّ الْعَبْدَ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِكَسْبِهِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ فَكَمَا لَا يُصَدَّقُ الْمُقِرُّ هُنَاكَ، وَفِيمَا يَدَّعِي مِنْ سَبْقِ التَّارِيخِ فَكَذَلِكَ هُنَا.
وَلَوْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ فَقَأَ عَيْنَ فُلَانٍ عَمْدًا، ثُمَّ ذَهَبَتْ عَيْنُ الْفَاقِئِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَالَ الْمَفْقُوءُ عَيْنُهُ بَلْ فَقَأْتَ عَيْنِي وَعَيْنُكَ ذَاهِبَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَفْقُوءِ عَيْنُهُ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْجَانِي، فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُهُ قَائِمَةً وَقْتَ الْفَقْءِ فَالْوَاجِبُ قِصَاصٌ، وَهُوَ فِيهَا وَاجِبٌ بِاعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُهُ ذَاهِبَةً فَالْوَاجِبُ الْأَرْشُ فَعَرَفْنَا أَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى وُجُوبِ الضَّمَانِ وَادَّعَى الْفَاقِئُ مَا يُسْقِطُهُ بِفَوَاتِ الْمَحَلِّ بَعْدَ الْوُجُوبِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ يَدَّعِي تَارِيخًا سَابِقًا فِي الْفَقْءِ وَالتَّارِيخُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ.
وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا أُعْتِقَ، ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَ وَلِيَّ هَذَا الرَّجُلِ خَطَأً، وَهُوَ عَبْدٌ، وَقَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ قَتَلْتُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ فِي هَذَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِوُجُوبِ الضَّمَانِ فَإِنَّ جِنَايَتَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ لَا تُوجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانَ فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْعِتْقِ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَوْلَاهُ فِي الْحَالِ يُخَاطَبُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ، وَهُوَ يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ فَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى الْغَيْرِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ.
وَإِذَا أَقَرَّ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَنَّهُ كَفَلَ عَنْ صَاحِبِهِ بِمَهْرِ أَوْ نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ أَوْ جِنَايَتِهِ لَزِمَهُ وَلَزِمَ صَاحِبَهُ أَيْضًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يَلْزَمُهُ وَلَا يَلْزَمُ صَاحِبَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَى صَاحِبِهِ بِطَرِيقٍ غَيْرِ التِّجَارَةِ وَلَا قَوْلَ لَهُ عَلَى صَاحِبِهِ فِي الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ لَا بِطَرِيقِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ فِيمَا يَجِبُ لَا بِطَرِيقِ التِّجَارَةِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ صَاحِبِهِ يَبْقَى إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِوُجُوبِ الْمَالِ بِطَرِيقِ الْكَفَالَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ أَنَّ كَفَالَةَ أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَوْ إقْرَارَهُ بِالْكَفَالَةِ يَلْزَمُ شَرِيكَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَلْزَمُ عِنْدَهُمَا فَهَذَا بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ.
وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا أَنَّ عَلَى صَاحِبِهِ دَيْنًا قَبْلَ الشَّرِكَةِ لِفُلَانٍ فَأَنْكَرَهُ صَاحِبُهُ وَالطَّالِبُ ادَّعَى أَنَّ هَذَا الدَّيْنَ كَانَ فِي الشَّرِكَةِ لَزِمَهُمَا جَمِيعًا الْمَالُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِمُطْلَقِ الدَّيْنِ يَنْصَرِفُ إلَى جِهَةِ التِّجَارَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ مُطْلَقٍ يَلْزَمُ شَرِيكَهُ، وَفِيمَا هُوَ وَاجِبٌ بِطَرِيقِ التِّجَارَةِ وَإِقْرَارُ أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَعَلَى شَرِيكِهِ سَوَاءٌ.
وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَزَعَمَ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الشَّرِكَةِ لَا يُصَدَّقُ فِي الْإِسْنَادِ إذَا أَكْذَبَهُ الطَّالِبُ فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِهِ عَنْ صَاحِبِهِ، وَإِذَا لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْإِسْنَادِ لَزِمَ الْمُقِرَّ الْمَالُ بِإِقْرَارِهِ وَلَزِمَ شَرِيكَهُ بِالْكَفَالَةِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْمَالِ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ دُونَ شَرِيكِهِ قَبْلَ الشَّرِكَةِ وَادَّعَى الطَّالِبُ أَنَّهُ عَلَيْهِ مِنْ الشَّرِكَةِ فَالْمَالُ عَلَيْهِمَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِي الْإِسْنَادِ، وَإِنْ تَصَادَقَا أَنَّ الدَّيْنَ كَانَ قَبْلَ الشَّرِكَةِ لَمْ يُؤْخَذْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِدَيْنِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْكَفَالَةِ بَيْنَهُمَا إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْمُفَاوَضَةِ فَيَكُونُ ثَابِتًا فِيمَا يَجِبُ بَعْدَ الْمُفَاوَضَةِ لَا فِيمَا كَانَ وَاجِبًا قَبْلَهَا.
وَإِذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَقَالَ الْآخَرُ لَا بَلْ لِفُلَانٍ لَزِمَهُمَا جَمِيعًا الْمَالُ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ لَوْ كَانَ هُوَ الَّذِي قَالَ لِفُلَانٍ لَزِمَهُمَا جَمِيعًا وَلَا أَثَرَ لِاخْتِلَافِ الْمُقَرِّ لَهُمَا فَكَذَلِكَ إذَا قَالَ ذَلِكَ صَاحِبُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَلْزَمُ صَاحِبَهُ وَهُمَا بَعْدَ الْمُفَاوَضَةِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ فِي أَسْبَابِ الْتِزَامِ الْمَالِ بِالتِّجَارَةِ.
وَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ تَفَرَّقَا، ثُمَّ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا فِي الشَّرِكَةِ لَزِمَهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ فِي الْإِسْنَادِ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ فَيَبْقَى مُلْتَزِمًا الْمَالَ فِي الْحَالِ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سَبَبٌ يُوجِبُ كَفَالَةَ صَاحِبِهِ عَنْهُ فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْمَالِ فِي الْحَالِ فَلِهَذَا كَانَ الْمَالُ عَلَيْهِ خَاصَّةً، وَعَلَى صَاحِبِهِ الْيَمِينُ إنْ ادَّعَاهُ الطَّالِبُ.
وَإِنْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَيْهِمَا مَالًا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا وَأَبَى الْآخَرُ أَنْ يَحْلِفَ لَزِمَهُمَا جَمِيعًا الْمَالُ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ عَنْ الْيَمِينِ كَإِقْرَارِهِ وَلِأَنَّ حَلِفَ أَحَدِهِمَا لَا يُسْقِطُ الْيَمِينَ عَنْ الْآخَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى لَهُمَا عَلَى إنْسَانٍ فَاسْتَحْلَفَ أَحَدُهُمَا الْمَطْلُوبَ فَحَلَفَ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ؛ لِأَنَّ النِّيَابَةَ فِي الِاسْتِحْلَافِ تُجْزِئُ، وَفِي الْحَلِفِ لَا تُجْزِئُ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْحَالِفُ مِنْهُمَا نَائِبًا عَنْ صَاحِبِهِ فِي الْيَمِينِ، وَلِأَنَّهُ بَعْدَ مَا حَلَفَ أَحَدُهُمَا كَانَ اسْتِحْلَافُ الْآخَرِ مُفِيدًا؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي التَّحَرُّزِ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ أَمَّا بَعْدَ مَا اسْتَحْلَفَ أَحَدُهُمَا الْمَطْلُوبَ كَانَ اسْتِحْلَافُ الْآخَرِ إيَّاهُ غَيْرَ مُفِيدٍ لِعِلْمِنَا أَنَّهُ يَحْلِفُ لَا مَحَالَةَ.
وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ لِابْنِهِ أَوْ لِامْرَأَتِهِ أَوْ لِمُكَاتَبِهِ بِدَيْنٍ لَمْ يُصَدَّقْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ فِيمَا يُوجَبُ لَهُمْ عَلَى الْغَيْرِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا فِي الْمُكَاتَبِ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ يَبِيعُ مِنْ أَحَدِ هَؤُلَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.